السؤال: أرجو من فضيلتكم أن توضحوا لي هذا الموضوع بشيء من التفصيل : هل الحديث والسنة كلمتان مترادفتان ، أم إن هناك فرقا بينهما ، أسأل هذا السؤال لأني قرأت لبعض العلماء المستشرقين وبعض المسلمين المختصين في العلوم الشرعية وهم لا يجعلون لهاتين الكلمتين معنيين متغايرين ، فهل توافقون على ذلك ، أرجو أن تشرحوا لي بشيء من التفصيل ؟
الجواب :
الحمد لله
الفرق في الاصطلاحات بين العلماء من المسائل التي غالبا ما يكون الخلاف فيها لفظيا ، وذلك أن الاصطلاح إنما هو تواضع خاص لدلالة لفظ معين على أحد المعاني ، فإذا وقع الخلاف بعد ذلك فهو إنما يتعلق بالعوارض وليس بالمقاصد .
وفي مسألة التفريق بين مصطلحي " السنة "، و " الحديث " يتجه أن نقول : إن هذين المصطلحين يجتمعان في مواضع ، ويفترقان في مواضع أخرى :
أولا : مواضع الاجتماع .
1- ما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير : يطلق عليه بأنه " حديث "، كما يسمى أيضا " سنة ".
يقول الشيخ عبد الله الجديع :
" السنة في المعنى الأُصوليِّ مساويةٌ للحديث بالتعريف المتقدّم عن أهل الحديث ، دون قيد ( أو صفة ) ، واستثناء الصفة النبوية من جملة السنن إنما وقع من أجل أن محل الكلام في السنة هو اعتبار كونها من مصادر التشريع ، وهذا لا يَنْدرجُ تحته الأوصاف الذَّاتية ، وإنما يستفاد من الأقوال والأفعال والتقريرات النبوية " انتهى.
" تحرير علوم الحديث ".
2- من أسماء الفرقة الناجية والطائفة المحافظة على أوامر الله : يسمون بـ " أهل الحديث "، ويسمون أيضا : " أهل السنة ".
3- الكتب التي تعتني بنقل الآثار المرفوعة والموقوفة وأقوال السلف الصالحين : تسمى " كتب الحديث "، وتسمى أيضا : " كتب السنة ".
ثانيا : مواضع الافتراق .
1- يطلق على هدي النبي صلى الله عليه وسلم المجمل الثابت في جميع شؤونه " السنة "، يعنون طريقته ومنهجه وصراطه صلى الله عليه وسلم ، ولا يطلق العلماء – غالباً- ههنا مصطلح " الحديث ".
ويقول العلامة السيد سليمان الندوي الهندي رحمه الله :
" الحديث كل واقعة نُسبت إلى النبي عليه السلام ولو كان فعلها مرة واحدة في حياته الشريفة ، ولو رواها عنه شخص واحد ، وأما السنة فهي في الحقيقة اسم للعمل المتواتر - أعني كيفية عمل الرسول عليه السلام - المنقولة إلينا بالعمل المتواتر ، بأن عمله النبي عليه السلام ثم من بعده الصحابة ، ومن بعدهم التابعون وهلمَّ جرا ، ولا يُشترط تواترها بالرواية اللفظية ، فطريقة العمل المتواترة هي المسماة بالسنة ، وهي المقرونة بالكتاب في قوله عليه السلام : (تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما : كتاب الله تعالى وسنة رسوله ) وهي التي لا يجوز لأحد من المسلمين كائنًا من كان تركها أو مخالفتها وإلا فلا حظ له في الإسلام " انتهى باختصار.
" مجلة المنار " (30/673)
2- كما يسمي العلماء الالتزام بالقدر الوارد في الشريعة وعدم الزيادة والابتداع في الدين بـ " السنة "، ولا يسمون ذلك بـ " الحديث ". ومنه مقولة عبد الرحمن بن مهدي المشهورة : سفيان الثوري إمام في الحديث ، وليس بإمام في السنة ، والأوزاعي إمام في السنة ، وليس بإمام في الحديث ، ومالك بن أنس إمام فيهما جميعا . " تاريخ دمشق " ابن عساكر (35/183)
سئل الحافظ أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله :
" قال بعضهم عن الإمام مالك رضي الله عنه إنه جمع بين السنة والحديث ، فما الفرق بين السنة والحديث ؟
فأجاب رضي الله عنه :
السنة ها هنا ضد البدعة ، وقد يكون الإنسان من أهل الحديث وهو مبتدع ، ومالك رضي الله عنه جمع بين السنتين ، فكان عالما بالسنة ، أي الحديث ، ومعتقدا للسنة ، أي كان مذهبه مذهب أهل الحق من غير بدعة والله أعلم " انتهى.
" فتاوى ابن الصلاح " (1/139-140)
3- كما يستعمل الفقهاء مصطلح " سنة " في بيان حكم استحباب فعل معين ، ولا يستعملون مصطلح : " حديث ".
4- وحين يتكلم العلماء على الروايات تصحيحا أو تضعيفا إنما يستعملون مصطلح " الحديث "، ولا يستعملون مصطلح " السنة "، فيقولون : هذا حديث ضعيف ، ولا يقولون : هذه سنة ضعيفة ، على اعتبار أن " السنة " هي ما ثبت من الأحاديث ، ولذلك يقولون أحيانا : هذا حديث مخالف للقياس والسنة والإجماع .
والله أعلم .